الوقاية من فقر الدم للأطفال

الوقاية من فقر الدم عند الأطفال: خطوات حاسمة لصحة دموية مثالية

يُعد فقر الدم من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً بين الأطفال حول العالم، خاصةً في السنوات الأولى من العمر، وهو يحدث نتيجة انخفاض مستويات الهيموغلوبين أو عدد خلايا الدم الحمراء بشكل غير كافٍ لتلبية حاجات الجسم. ولأن فقر الدم قد يؤثر سلباً على النمو الجسدي والعقلي للأطفال، فإن اتخاذ التدابير الوقائية المبكرة يعد أمراً ضرورياً للحفاظ على صحتهم العامة وجودة حياتهم المستقبلية.

يشكّل الحديد أحد المكونات الأساسية للهيموغلوبين، وعند نقصه في الجسم، تظهر علامات فقر الدم التي تشمل الشحوب، التعب السريع، فقدان الشهية، وتأخر التطور المعرفي والسلوكي. الوقاية من فقر الدم تبدأ منذ مرحلة الحمل وتستمر في مراحل نمو الطفل المختلفة، ويُستعرض فيما يلي الخطوات المتكاملة التي تضمن الحماية الفعالة من هذه الحالة المرضية.

الرضاعة الطبيعية الكاملة خلال الأشهر الستة الأولى

تلعب الرضاعة الطبيعية دوراً بالغ الأهمية في الوقاية من فقر الدم في الأشهر الأولى من عمر الطفل، إذ يحتوي حليب الأم على الحديد بكميات مناسبة وذات قابلية امتصاص عالية، إضافة إلى عوامل مناعية تساعد في تعزيز مقاومة الطفل للأمراض التي قد تؤثر سلباً على امتصاص العناصر الغذائية. ومن الضروري ألا يتم إدخال الحليب البقري قبل عمر السنة، نظراً لأن الحليب البقري فقير بالحديد ويمكن أن يسبب التهابات معوية دقيقة تؤدي إلى فقدان الحديد عبر الجهاز الهضمي.

إدخال الأغذية التكميلية الغنية بالحديد في الوقت المناسب

عند بلوغ الطفل ستة أشهر، تبدأ مخازن الحديد التي اكتسبها من الأم بالنفاد، وهنا يجب إدخال أغذية غنية بالحديد ضمن جدول التغذية اليومي. من أبرز هذه الأطعمة:

التركيز يجب أن يكون على دمج الحديد الهيمي (من مصادر حيوانية) والحديد غير الهيمي (من مصادر نباتية) في النظام الغذائي للطفل، حيث أن امتصاص الحديد الهيمي أسهل وأعلى فاعلية.

تعزيز امتصاص الحديد عبر فيتامين C

يُعزّز فيتامين C امتصاص الحديد النباتي من الجهاز الهضمي بشكل ملحوظ. لذلك يُنصح بتقديم الفواكه الغنية بفيتامين C مثل البرتقال، الكيوي، الفراولة، أو عصير الليمون الطازج بجانب الوجبات التي تحتوي على الحديد. كذلك يمكن إضافة قطرات من عصير الليمون على العدس أو الخضار المطهية مما يزيد من فاعلية امتصاص الحديد.

تجنّب الأطعمة التي تعيق امتصاص الحديد

بعض الأطعمة والمشروبات تحتوي على مركّبات تعيق امتصاص الحديد في الأمعاء مثل:

• الشاي والقهوة: يحتويان على مركبات البوليفينول والتانين التي ترتبط بالحديد وتمنع امتصاصه.

• منتجات الألبان: تحتوي على الكالسيوم الذي يتنافس مع الحديد في عملية الامتصاص.

• الأغذية الغنية بالألياف غير القابلة للذوبان: مثل النخالة الزائدة، إذ قد تعيق امتصاص المعادن.

يُفضل عدم تقديم هذه الأطعمة مباشرة قبل أو بعد وجبات تحتوي على الحديد، وإعطاء فاصل زمني لا يقل عن ساعتين.

متابعة النمو والتحاليل الدورية

ينبغي إجراء تحاليل دورية لمستوى الهيموغلوبين خاصة في الفترات الحساسة مثل عمر 9 شهور، وعند الانتقال من الرضاعة إلى الغذاء الصلب، وعند ظهور أي أعراض شبيهة بفقر الدم مثل شحوب البشرة، انخفاض النشاط، أو فقدان الشهية. يُساعد التشخيص المبكر في التدخل السريع قبل أن تتفاقم الحالة.

إعطاء المكملات الدوائية تحت إشراف طبي

في حالات الأطفال المعرضين لخطر فقر الدم (مثل الخدج أو المولودين لأمهات مصابات بفقر دم)، يُمكن أن يوصي الطبيب بإعطاء مكملات الحديد على شكل قطرات فموية. هذه المكملات تُعطى بجرعات مدروسة وتُراقب من قبل الطبيب لتفادي الجرعة الزائدة التي قد تؤدي إلى أعراض سُمية حادة.

الاهتمام بتغذية الأم أثناء الحمل

الوقاية من فقر الدم تبدأ منذ الحمل، إذ تعتمد مخازن الحديد لدى الطفل على الحالة الغذائية للأم. حصول الأم الحامل على كميات كافية من الحديد يُعد ضرورياً لتكوين الجنين ونموه السليم. الأطباء يوصون غالباً بتناول مكملات الحديد منذ الثلث الثاني من الحمل وحتى بعد الولادة، إلى جانب تناول الأغذية الغنية بالحديد.

الوقاية من الطفيليات المعوية

الإصابة بالديدان المعوية والطفيليات يُعد من أبرز أسباب فقر الدم خاصة في البيئات منخفضة النظافة. إذ تُسبب هذه الكائنات امتصاصاً غير طبيعي للمواد الغذائية وقد تؤدي إلى فقدان دم مزمن في الأمعاء. ينبغي الحرص على:

• غسل اليدين جيداً قبل الأكل وبعد استخدام الحمام.

• طهي الطعام جيداً.

• شرب مياه نظيفة أو مغلية.

• إعطاء علاجات دورية مضادة للطفيليات بعد سن معينة وبحسب إرشادات وزارة الصحة.

الوقاية في البيئات الفقيرة

في بعض المجتمعات، يُعد فقر الدم مشكلة صحية عامة، وتتطلب جهوداً مجتمعية تشمل:

• توزيع المكملات الغذائية المدعّمة بالحديد والفوليك أسيد.

• برامج إغناء الأغذية بالحديد مثل الطحين والسكر.

• حملات توعية للأمهات حول أساليب تغذية الأطفال والرضّع.

• تطعيم الأطفال ضد الأمراض التي قد تؤدي إلى سوء التغذية.

تعزيز الوعي الغذائي للأسرة

ثقافة الأسرة في التغذية تلعب دوراً حاسماً في الوقاية من فقر الدم. تثقيف الأمهات حول القيمة الغذائية للأطعمة، كيفية الطهي دون فقد العناصر المفيدة، وتفادي الاعتماد الزائد على الأغذية المعالجة والفقيرة بالحديد مثل الحلويات والبسكويت، يُشكّل خطوة محورية في صحة الأطفال.

دور المدرسة والرعاية الصحية الأولية

على المؤسسات التعليمية ومراكز الرعاية الصحية أن تلعب دوراً في الكشف المبكر والتوعية. يمكن تنفيذ حملات فحص الهيموغلوبين في المدارس الابتدائية، وتدريب المعلمين على ملاحظة علامات التعب أو الشحوب على الأطفال، وتحويل الحالات المشتبه بها إلى العيادات المتخصصة. كما يمكن للمراكز الصحية تقديم كتيبات تثقيفية للأهالي عند زيارتهم الروتينية للتطعيمات.

الخاتمة

إن اتخاذ تدابير وقائية متعددة بدءًا من مرحلة الحمل وحتى الطفولة المبكرة يضمن الحد من مخاطر فقر الدم ويعزز النمو الصحي والمتكامل للأطفال. بتكامل دور الأسرة، النظام الصحي، والمجتمع، يمكن تجنيب الطفل المضاعفات الجسيمة لهذه الحالة المزمنة، وبناء قاعدة صحية تؤهله للنمو السليم والنجاح في المستقبل.

المراجع:

1. World Health Organization. “Iron Deficiency Anaemia: Assessment, Prevention and Control.” WHO/NHD/01.3, Geneva, 2001.

2. Baker RD, Greer FR. “Diagnosis and prevention of iron deficiency and iron-deficiency anemia in infants and young children.” Pediatrics. 2010;126(5):1040-1050.